الحرب الإسرائيلية الإيرانية- حسابات القوة، الصورة، ومستقبل الصراع

المؤلف: د. خالد عزب08.27.2025
الحرب الإسرائيلية الإيرانية- حسابات القوة، الصورة، ومستقبل الصراع

الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران يبدو كمعركة حياة أو موت لكلا الطرفين. فإسرائيل تطمح إلى القضاء على البرنامج النووي الإيراني، لكن هذا الهدف يبدو بعيد المنال، خاصة بعد الهجمات الأمريكية التي استهدفت البرنامج، لكنها لم تدمره بشكل كامل. والوقت ليس في صالح إسرائيل؛ إذ إن أقصى ما تطمح إليه حاليًا هو عرقلة البرنامج النووي لبضع سنوات، وليس تدميره بالكامل. إضافة إلى ذلك، فإن المنطقة المحيطة لن تقبل بهذه الحرب، هذه المنطقة تمتد من باكستان وصولًا إلى أوروبا. وفي هذا السياق، تطرح عدة أسئلة هامة:

  • ما طبيعة هذه الحرب؟
  • ما النتائج المحتملة المترتبة عليها؟
  • وهل يوجد فائز حقيقي في هذا الصراع؟

في الواقع، المستفيد الأكبر من هذه الحرب هي روسيا، فهي تنتفع من ارتفاع أسعار النفط، الذي يُعدّ أكبر صادراتها. كما أن هذه الحرب تعزز موقفها التفاوضي في حرب أوكرانيا. أما بالنسبة لإيران وإسرائيل، فإنهما انخرطتا في حرب ذات حسابات معقدة تتجاوز إرادة كليهما، وهو ما استدعى تدخل الولايات المتحدة لإنهاء هذا الصراع.

قوة الصورة

في الضربة الأولى، ركزت إسرائيل على قوة الصورة وتأثيرها على الرأي العام الإيراني بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى إلحاق هزيمة نفسية بالمنطقة العربية. فمشاهد الدمار في إيران ومقتل علمائها، مع التركيز الإسرائيلي على قوة جيشها ودقته، أحدثت صدمة كبيرة في إيران والمنطقة، وأعادت إلى الأذهان المقولة القديمة التي انتشرت بعد حرب 1967 بأن الجيش الإسرائيلي لا يقهر.

لكن الرد الإيراني جاء سريعًا ومؤثرًا. فبالرغم من محدودية الخسائر الإسرائيلية، إلا أن إيران استطاعت أن تصور الدمار في تل أبيب وحيفا كانتصار معنوي لها. وسرعان ما انتشرت صور الدمار في إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي العربية. وبالتالي، فقدت إسرائيل في هذه المعركة شيئًا هامًا لم تدركه بعد، وستبدأ في إدراكه في مرحلة ما بعد الحرب.

ما حدث يمكن اعتباره تراجعًا واضحًا في صورة إسرائيل كقوة عسكرية لا تُقهر، وهو ما قد يشجع الأجيال القادمة في المنطقة العربية على تعزيز طموحاتها في إنهاء الصراع مع إسرائيل، التي لطالما كانت خصمًا تاريخيًا قويًا في الوعي الجمعي للشعوب العربية.

قوة السلاح

تمتلك إسرائيل قوة ردع وهجوم متطورة في المنطقة العربية، وقد نجحت في تقويض قوة حزب الله، وإضعاف قدرات حركة حماس في غزة. ويعود هذا التفوق في الأساس إلى قواتها الجوية. وهنا يبرز السؤال حول القدرات العربية والإيرانية في مجال الدفاع الجوي، فمعظم الدول العربية وإيران، باستثناء مصر، لم تطور قوات دفاع جوي قادرة على مواجهة التفوق الإسرائيلي والحد منه.

تحييد الطيران الحربي الإسرائيلي في المستقبل يمثل بداية للتعامل مع إسرائيل بمنطق الحد من قدراتها، وهو ما سيقلل من الغطرسة الإسرائيلية في المنطقة. لقد حققت إيران نجاحًا نسبيًا في مواجهة هذا التفوق، خاصة بعد إسقاط طائرة "إف-35"، وهو مؤشر إيجابي على إمكانية التعامل مع القوات الجوية الإسرائيلية.

تمتلك إسرائيل طائرات مسيرة متعددة الاستخدامات، وفي المقابل تمتلك إيران طائرات مسيرة متطورة. لكن قدرة إسرائيل على تتبع هذه الطائرات تحد من فعاليتها. ومع ذلك، يشير المستقبل إلى أنه إذا طورت إيران والدول العربية قدرات الطائرات المسيرة، فإن العمق الإسرائيلي سيكون تحت التهديد الجوي لأول مرة منذ تأسيسها، وهو ما سيمثل خرقًا لنظريات واستراتيجيات الدفاع الإسرائيلية. كما أن اختراق الصواريخ الإيرانية لأنظمة الدفاع الإسرائيلية يثير تساؤلات حول قدرة إسرائيل على صد هذه الهجمات في المستقبل.

تبدو خسائر إيران كبيرة – وإن لم يتم حصرها حتى الآن – وستؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية. وفي المقابل، تتعرض إسرائيل إلى حصار اقتصادي غير معلن، فالحرب تؤدي إلى توقف حركة الشحن الجوي، وتعطيل العديد من الخطوط الملاحية إلى موانئ إسرائيل، وهو ما يعني أن الحرب لها عواقب وخيمة على إسرائيل.

لكن هل نجحت الولايات المتحدة في منع اتساع نطاق الصراع وتحوله إلى حرب إقليمية شاملة؟

إن ما لا تدركه الولايات المتحدة وإسرائيل هو طبيعة الشعب الإيراني، فهو شعب عنيد ومقاوم لأي غزو أو هجوم خارجي، حتى لو اختلف مع النظام الحاكم. وهذا ما لم يدركه صدام حسين عندما شن حربًا ضد إيران في فترة اعتقد أنها ضعيفة بعد الثورة الإيرانية. وكذلك الأمر عندما اعتقدت إسرائيل أن إيران قد تم إضعافها في لبنان وسوريا.

لكن في حالة شعور إيران باليأس أو محاولة كسرها بشكل واضح، فلن يكون أمامها سوى ضرب المصالح الأمريكية بشكل مباشر، وهو ما هددت به. ولهذا السبب، قامت الولايات المتحدة بضرب موقع فوردو النووي الإيراني، فهي الدولة الوحيدة التي تملك هذه القدرة.

ومع ذلك، فإن القلق الأمريكي من تفاقم الوضع، والخوف من تأثير الحرب على الداخل الإسرائيلي، الذي تمثل في فرار مواطنين إسرائيليين إلى الخارج، بالإضافة إلى عدم قدرة إسرائيل على تحمل حرب من هذا النوع في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، كل هذا كان سببًا لقبول وقف إطلاق النار.

على الجانب الآخر، فإن خروج إيران من هذه الحرب منتصرة أو في وضع لا هزيمة ولا انتصار يعني هزيمة استراتيجية ونفسية لإسرائيل، وهو أمر له نتائج وخيمة على المدى البعيد على مستقبل إسرائيل ووجودها. ولذا، يدرك نتنياهو أن هذا الوضع قد ينهي حياته السياسية ويقوده إلى السجن، وهو ما يدفعه إلى إنهاء الحرب بعد أن وصل إلى نتيجة مرضية له قبل أن تكون مرضية لجمهوره. بالإضافة إلى ذلك، تدخلت الولايات المتحدة لوقف الحرب بأمر مباشر لإسرائيل، فأسواق النفط لن تتحمل ارتفاع الأسعار، وانهيار الأسهم يشكل أزمة عالمية، والصين تراقب كل هذا عن كثب.

لذا، فإن إنهاء الحرب جاء كنتيجة للأمر الواقع. ومن هنا، فإن إنهاءها بوضع لا هزيمة ولا انتصار هو الحل الذي توصلت إليه إسرائيل غير المنتصرة وغير المهزومة، وكذلك إيران. نحن أمام جيل جديد من الحروب عن بعد، ولكنها حروب غير محسومة. والخاسر الأكبر في هذه الحرب هي الولايات المتحدة، التي منحت روسيا والصين فرصًا جديدة للاستثمار. وإذا لم يستغلوا هذه الفرص، فسيكونون قد أضاعوا فرصة ذهبية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة